يسجل كتاب الفيفا الصادر فى مايو عام 2004 بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسه تاريخ كرة القدم.. وكيف كانت البدايات، والروايات حول الشعوب التى مارست تلك اللعبة الجميلة. وجاء فيه أن أقدم كرة قدم موجودة فى التاريخ كانت فى مصر الفرعونية، حيث لعب المصريون القدماء بكرات مصنوعة من الخشب والجلد وورق البردى، وذلك قبل الميلاد. وهو ما يدعمه ما جاء على لسان هيردوت أبوالتاريخ بشأن مشاهدته لممارسة الفراعنة للعبة فى عام 448 قبل الميلاد. والكرات الفرعونية ملونة بألوان زاهية.
وفى بعض مقابر بنى حسن فى المنيا رسوم تشير إلى ممارسة المصرى القديم للعبات المصارعة والملاكمة والسباحة، واهتم قدماء المصريين بالرياضة للصحة والقوة وكرة القدم وكان من أسس اختيار الفراعنة قبل توليهم الحكم أن يقطعوا جريا شوطا سموه «شوط القربان» وعنى بعضهم بتسجيل هذه الأشواط على جدران معابدهم، ومنهم زوسر مؤسس الأسرة الثالثة، وهناك لوحة تعد أقدم أثر رياضى توضح احتفال زوسر بمرور 30 سنة على تتويجه على جدران معبد هرم زوسر فى سقارة
مباريات القرون الوسطى
عندما تتبع جذور كرة القدم نجدها فى جميع أركان المعمورة على مر العصور التاريخية المختلفة.. فقد عرف بعض أشكالها لدى الإيطاليين والصينيين واليابانيين والمصريين والإغريق والهنود الحمر والفرس وسكان أمريكا الوسطى والقبائل الأسكتلندية والفايكنج والآشوريين وغيرهم. ولعب سكان هذه الشعوب الكرة قبل آلاف السنين.. والباحثون وجدوا آثارا لمباريات كرة قدم تعود لأكثر من الفين وخمسمائة سنة قبل الميلاد، وكانت الكرة تصنع من جلد الحيوانات وتقذف خلال فجوة فى شبكة ممتدة بين قوائم ارتفاعها 30 قدما، وكانت المباراة تقام كجزء من الاحتفالات بعيد ميلاد الإمبراطور. وقال الباحثون: «إن الطقوس التى كان يمارسها القدماء المصريون والخاصة بالخصب والنماء كانت مرتبطة بتطور كرة القدم قبل ألفين وخمسمائة سنة قبل الميلاد.. ووجدت إشارات عديدة لكرة القدم تعود لحقبة ما قبل الميلاد فى الحضارات القديمة مثل الرومانية والإغريقية واليابانية».
وفى القرون الوسطى تم صناعة كرة من المطاط فى المكسيك وأمريكا الوسطى وكانت تمارس فى مضمار داخل حوائط، وكان طول المضمار يتراوح ما بين 40 و50 قدما مع حوائط رأسية ذات ارتفاع عالٍ وكان شكل الملعب مثل الحرف اللاتينى (I)، وكان يتم تركيب حلقة حجرية أو خشبية فى وسط كل حائط ويتم تصويب الكرة المطاطية تجاه هذه الحلقة بالقدم.
وفى القرن السابع عشر مارس سكان العديد من جزر المحيط الهادى كرة القدم مستخدمين ثمار جوز الهند والبرتقال والأكياس ككرات ولعب سكان الإسكيمو كرة القدم على الجليد وكانت الكرات محشوة بالعشب وشعر الغزلان والطحالب.. ومن الأساطير المنقولة عن كرة القدم فى الاسكيمو تلك الأسطورة التى تقول عن المباراة، التى جمعت بين قريتين وكان طول الملعب عشرة أميال.. كما لعبت الشعوب الآسيوية كرة القدم ووصلت اللعبة إلى جنوب شرق أسيا، حيث تقع بورما، ومارس شعبها القديم كرة القدم كما جاء فى رسومات كتاب الفيفا الذى روى تاريخ اللعبة.
إن قصة الكرة وبدايتها سجلها الرسامون. ففى عام 1925 رسم الألمانى كريستوف فيد يتز لوحة تمثل ممارسة الهنود الحمر للعبة بكرة ممتلئة بالهواء، ويركلونها بمؤخرتهم دون أن يرفعوا أيديهم عن الأرض. وكان اللاعبون يرتدون قفازات جلدية فى الأيدى وقطع من الجلد لحماية المؤخرة.. وكان الهنود الحمر فى القرن السابع عشر يلعبون كرة القدم وكان طول الملعب حوالى الميل وكان أكثر من مائة شخص يشاركون فى المباراة الواحدة.. وكانت المباريات عنيفة أحيانا ينتج عنها كسور فى العظام ولم يكن يسهل التعرف على اللاعبين، حيث كانوا يخفون أنفسهم بالزينات وطلاء الحرب مما يصعب عملية الانتقام فى حالى الاصابات الخطيرة.. وكانت بعض المباريات تستمر لأكثر من يوم وتتم إقامة ولائم للمشاركين فى نهاية المباريات.
الإغريق أيضا لعبوا كرة القدم.. ففى المتحف القومى بأثينا توجد لوحة من القرن الخامس قبل الميلاد توضح ممارسة لاعب للكرة وأمامه طفل صغير يتابع تدريباته، حيث كانت اللعبة نشاطا تربويا وموجه للنساء وللرجال.
إذن لم يختلف المؤرخون على ممارسة الإنسان لكرة القدم منذ عصور قديمة، وهو أمر يدعونا للتفكير فى أسباب تلك الممارسة منذ آلاف السنين. ولم يتوقف الإنسان عن ممارسة كرة القدم منذ اكتشافها.. وهناك رسم للفنان بياترو بيرتيللى لمباراة فى كرة القدم عام 1595 فى مدينة بادو الإيطالية.. وفى عام 1688 صدر كتاب لتخليد ذكرى كرة القدم فى فيورنتينا الإيطالية، وجاء على غلاف الكتاب أنه يشهد على عظمة الماضى ومهدى للأمير فردنانت ميدتشى أحد أفراد العائلة الحاكمة ولزوجته فيولانتى بياترتيش.
كيمارى وكرة القدم
وفى تقرير بثته وكالة الأنباء الألمانية عام 2006، جاء مايلى عن ممارسة شعب اليابان للعبة شبيهة بكرة القدم وهم يرون أنها الأصل: «ما زالت لعبة «كيمارى» تحظى باهتمام البعض فى اليابان خاصة أنهم يعتبرونها أصل لعبة كرة القدم فى بلادهم نظرا للتشابه الكبير بين اللعبتين».
وفى لعبة كيمارى يرتدى ثمانية لاعبين الزى الوطنى اليابانى التقليدى كيمونو باللون الوردى والأخضر والأورجوانى والألوان الأخرى والقبعات الطويلة والأحذية الجلدية ويلتفون فى دائرة ويركلون كرة مصنوعة من الجلد بأقدامهم، وهم يصيحون مع كل ركلة، ويتركز جوهر اللعبة فى قدرة اللاعبين على رفع الكرة قبل تمريرها على باقى زملائهم.
ويختلف لون الكيمونو حسب رتبة المحارب أو اللاعب كما يبلغ طول أكمام الكيمونو على الدرجة التى تكاد تلمس فيها الأرض. ولا تمثل كيمارى لعبة للمنافسة بقدر ما هى طقوس دينية تقام بين الأصدقاء، وليس هناك فائزون وخاسرون فى كيمارى فكل لاعب يجب أن يتعاون مع زملائه للاحتفاظ بالكرة فى الهواء من أجل استمرار اللعب بقدر الإمكان.
ويجب أن يحاول اللاعبون تقديم أفضل تمريرة ممكنة إلى باقى اللاعبين وإذا فشلت إحدى التمريرات يكون الخطأ دائما على اللاعب الذى بحوزته الكرة.
ويكمن الاختلاف الرئيسى بين كرة القدم وكيمارى، التى بدأت ممارستها فى القرن السابع فى أن الكرة يجب ألا تلمس الأرض فى لعبة كيمارى، ومن ثم يتوقع أن يظل ظهر اللاعبين مستقيما بقدر الإمكان عندما يركلون الكرة لنحو أربعة أمتار فوق مستوى سطح الأرض وتمثل كيمارى أيضا جزءا من الفلسفة والعقيدة الدينية «تاويزم»، وتتطلب طقوسا وهدوءا أكثر من احتياجها لتحسين المستوى البدنى وفى كل عام يمارسها اليابانيون فى جزيرة كيوتو، كما كانوا يمارسونها فى الفترة من 710 إلى 794 بعد الميلاد بالزى التقليدى للنساء «الكيمونو».
لعبات من بطن الكرة
ومن كرة القدم استمدت شعوب العالم بثقافتها المختلفة كل أشكال وألوان ألعاب الكرة، التى ولدت من بطن كرة القدم تلك اللعبة، التى كانت مثل المعارك الحربية فى القرون الوسطى فى بريطانيا فهى بين مدينتين أو بين قريتين والهدف أن تصل الكرة الى المدينة أو القرية الأخرى بكل الأساليب المشروعة وغير المشروعة، وقد تبلورت قوانين كرة القدم التى نمارسها فى العصر الفيكتورى عندما أصبح اللهو المنظم جزءا لا يتجزء من تطور المجتمعات الصناعية وأول من وضع قواعد اللعبة هم طلبة المدارس فى إنجلترا، ومنها كلية «أيتون» وحتى الأن تقام مباراة واحدة سنويا فى تلك الكلية العريقة بنفس القواعد القديمة وبنفس الملابس وانتشرت كرة القدم، كما انتشرت الرجبى، وفى الولايات المتحدة الأمريكية لعبة مماثلة للرجبى الإنجليزية هى كرة القدم الأمريكية، وفى أيرلندا لعبة الرجبى الخاصة بها وفى أستراليا لعبة تعد خليطا بين كرة القدم والرجبى تسمى «استراليان رولز»، وفى ويلز لعبة مشابهة للرجبى تسمى «جايليك فوتبول»، وفى آسيا لعبة تجمع بين الكرة الطائرة وكرة القدم وتسمى «سيباك تاكراو» وهناك كرة القدم على الدراجات البخارية وتسمى «موتوبول»!
فى تاريخ كرة القدم رسوم ووثائق شديدة الغرابة، لكنها تكشف أن تلك اللعبة خلبت العقول، وشدت الجميع.. وهى لم تكن لعبة منظمة لها قوانينها وقواعدها.. حتى بدأ الإنجليز عملية تقنين اللعبة ثم نشروها فيما بعد بصورتها الجديدة إلى العالم من خلال جنود الإمبراطورية البريطانية كانت رياضة الكرة تعنى اللعب بالقدم وباليد، ويسمح فيها بالضرب والركل والدفع والمصارعة، كانت مزيجا بين كرة القدم وكرة اليد، واحتاج الإنجليز إلى عشرات السنين من أجل تطوير وتهذيب اللعبة، وتحويلها من رياضة عنيفة مليئة بالدم والقتال والاعتداء، ويمارسها الأشرار إلى تلك اللعبة الجميلة، التى تمارسها شعوب العالم أجمع الآن.
الفيفا جمهورية كرة القدم
الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) هو الجهة الأعلى، التى تتولى شئون كرة القدم فى العالم كله وتحظى بنفوذ وصلاحيات واسعة تفوق صلاحيات الحكومات وقادة الدول ولا تستطيع أى دولة على وجه الأرض ممارسة اللعبة على دون الرجوع إلى هذا الاتحاد.
تأسس الاتحاد الدولى أول ما تأسس فى مقر الاتحاد الفرنسى لكرة القدم الكائن آنذاك فى شارع سان أونوريه بباريس يوم 21 مايو عام 1904 وشاركت فى تأسيسه سبع دول فقط، هى: فرنسا وسويسرا وبلجيكا والدانمارك وهولندا وإسبانيا والسويد، لكن الفكرة فى البداية كانت للهولندى كارل هيرتشمان، الذى أراد أن تكون هناك جهة دولية مجمعة للدول التى تمارس لعبة كرة القدم خارج الأرض الإنجليزية فقد كان اتحاد الكرة الإنجليزى، الذى تأسس عام 1863 أشبه بالجزيرة المنعزلة والبرج العاجى، الذى لا يسمح لأحد من باقى الأوروبيين الاقتراب منه.
والغريب أن الهولندى هيرتشمان عرض الفكرة على الاتحاد الإنجليزى فى الفترة، التى سبقت تأسيس الاتحاد الدولى، لكن الإنجليز تلكأوا فى الرد كثيرا وفضلوا أن تكون لهم كرة القدم الخاصة بهم ولم يكن الفرنسيون تحديدا يريدون التأخير أكثر من ذلك، خاصة أن الظروف وقتها سمحت بإقامة أول مباراة رسمية دولية وكانت فى بروكسل بين فرنسا وبلجيكا بتاريخ أول مايو ولهذا قرر الفرنسيون إشهار الاتحاد الدولى الوليد فى 21 مايو، وظل اللورد كينارد رئيس الاتحاد الإنجليزى لكرة القدم يرفض الانضمام إلى هذه الجبهة الجديدة، وكان لكل من أيرلندا وأسكتلندا وويلز اتحادات مستقلة طوال تلك الفترة.
وتم وضع اللائحة الأساسية التى تحكم العمل بالاتحاد، وكان رسم العضوية فى الفيفا أنذاك 50 فرنكا فرنسيا فقط تدفعه الدولة الراغبة فى الانضمام أى عضويته، وكان الفرنسى روبرت جورين أول رئيس للفيفا، حيث تم انتخابه للمنصب فى اجتماعات الجمعية العمومية الأولى، التى عقدت يوم 23 مايو من عام 1904.
وفى عام 1905بدأت اللجنة التنفيذية للفيفا فى الاعتراف رسميا بعضوية الدول المنضمة إليه، وتوالت طلبات العضوية من مختلف الدول الأوروبية أولا فانضمت ألمانيا وإيطاليا والمجر وغيرها، وبعد ذلك وقع صدام بين الفيفا وناد إنجليزى يدعى إينجليش رامبلرز بسبب رغبة هذا النادى فى أداء مباريات خارج إنجلترا، ولم يسمح له الفيفا لأنه لم يحصل على إذن منه، وأدت هذه الواقعة فيما بعد إلى انضمام إنجلترا وباقى الاتحادات البريطانية.
وكانت مهمة الاتحاد الدولى فى تلك الفترة الإشراف على تنظيم بطولات الكرة فى الدورات الأوليمبية، لكن مع مرور الوقت وبدء تنظيم كأس العالم ازداد دور الاتحاد الدولى ثراء وزاد عدد أعضائه كثيرا ليشكل دول العالم المختلفة وأصبح معروفا أن أول ما تفعله أى دولة فور استقلالها هو الانضمام إلى الفيفا.
رؤساء الفيفا
الرئيس الأول: روبرت جوران 1904 ــ 1906
الرئيس الثانى: دانيال بيرلى 1906 ــ 1918
الرئيس الثالث: جول ريميه 1921 ــ 1954
الرئيس الرابع: رودلف ويليام 1954 ــ 1955
الرئيس الخامس: أرثر ديريورى 1955 ــ 1961
الرئيس السادس: ستانلى راوس 1961 ــ 1974
الرئيس السابع: جواو هافيلانج 1974 ــ 1998
الرئيس الثامن: جوزيف بلاتر 1998 ــ ------